القائمة الرئيسية

الصفحات

تركيا: اعتقال إمام أوغلو وتصاعد التوتر السياسي

تركيا: اعتقال إمام أوغلو وتصاعد التوتر السياسي



إسطنبول – شهدت الساحة السياسية التركية تصعيدًا مفاجئًا مع إصدار النيابة العامة في إسطنبول أوامر اعتقال بحق أكثر من 100 شخص، من بينهم رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، وذلك على خلفية اتهامات تتعلق بالفساد، التلاعب بالعطاءات، وتشكيل منظمة إجرامية.

تصاعد التوتر السياسي في تركيا مع اعتقال أكرم إمام أوغلو

تأتي هذه التطورات في توقيت حساس، إذ تسبق بأيام قليلة الانتخابات التمهيدية داخل حزب الشعب الجمهوري، حيث كان يُنظر إلى إمام أوغلو كأحد أبرز المنافسين المحتملين للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

خلفية الاعتقالات والتهم الموجهة

بحسب بيان صادر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول، فإن إمام أوغلو تم اعتقاله في سياق تحقيقين منفصلين يجريهما مكتب التحقيقات في الجرائم "الإرهابية" و"المنظمة".

وشملت لائحة الاتهام تنظيم وقيادة جماعة إجرامية، الابتزاز، الرشوة، الاحتيال، والتلاعب بالعطاءات، بالإضافة إلى مزاعم بدعمه غير المباشر لحزب العمال الكردستاني، المصنّف كمنظمة إرهابية في تركيا، من خلال توظيف أفراد مرتبطين به.

تداعيات الاعتقالات

لم يكن إمام أوغلو وحده المستهدف، فقد شهدت إسطنبول مداهمات متزامنة أسفرت عن اعتقال عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين في بلدية إسطنبول الكبرى، من بينهم نائب الأمين العام للبلدية، رئيس بلدية شيشلي ونائبته، ورئيس معهد الإصلاح، بتهم تتعلق بدعم حزب العمال الكردستاني.

وأعلن مكتب المدعي العام أنه تم اعتقال 84 شخصًا، بينما لا تزال الإجراءات مستمرة بحق 22 آخرين.

وفي الساعات الأولى من صباح اليوم، فرضت السلطات الأمنية طوقًا مشددًا حول منزل إمام أوغلو، حيث انتشرت عشرات مركبات الشرطة ومئات العناصر الأمنية قبل اقتياده خارج منزله وسط إجراءات أمنية صارمة.

في أول تعليق له، نشر إمام أوغلو مقطع فيديو عبر منصة "إكس"، قال فيه:
"نواجه طغيانًا غير مسبوق، لكنني لن أستسلم. أسلّم أمري إلى أمتي وسأواصل مواجهة من يستخدم هذه العملية كأداة ضدي."

ردود الفعل السياسية

أثارت الاعتقالات موجة من الانتقادات الحادة داخل المعارضة التركية.

  • أوزغور أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري، وصف ما حدث بأنه "انقلاب ضد الديمقراطية"، معتبرًا أن السلطة تستخدم القضاء كأداة لإقصاء إمام أوغلو من المشهد السياسي، ومنعه من الترشح للرئاسة.
  • منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة الكبرى، أدان التحركات ضد إمام أوغلو، قائلاً:
    "ما يحدث لا يليق بدولة تدّعي احترام سيادة القانون."

وفي تطور آخر، كشف مرصد الإنترنت "نت بلوكس" عن فرض قيود على منصات التواصل الاجتماعي في تركيا، من بينها إكس، يوتيوب، إنستغرام، وتيك توك، فيما قرر والي إسطنبول حظر التجمعات والمظاهرات حتى 23 مارس/آذار.

ضربة أخرى لإمام أوغلو

في تطور إضافي يزيد من تعقيد موقف إمام أوغلو، أعلنت جامعة إسطنبول، أمس الثلاثاء، إلغاء شهادته الجامعية، بعد مراجعة ملفات انتقال بعض الطلاب في كلية إدارة الأعمال عام 1990، حيث تبيّن أن 28 شخصًا - من بينهم إمام أوغلو - حصلوا على انتقال غير قانوني.

وصف إمام أوغلو هذا القرار بأنه "سياسي بامتياز"، مضيفًا:
"بعد 31 عامًا من حصولي على شهادتي، يتم إلغاؤها الآن بذرائع واهية. هذا القرار ليس قانونيًا، بل جزء من حملة ممنهجة تستهدفني."

وتكمن خطورة هذا الإجراء في أن القانون التركي يشترط حصول المرشح الرئاسي على شهادة جامعية، مما قد يشكل عائقًا قانونيًا أمام ترشح إمام أوغلو للرئاسة.

التحقيقات في قضايا الفساد

يركّز التحقيق في الفساد على قضيتين رئيسيتين أثارتا جدلًا واسعًا في تركيا:

  1. مشروع "التوافق الحضري"
    أطلقته بلدية إسطنبول لتعزيز التعاون بين البلديات، لكن النيابة العامة تزعم أنه استُخدم كواجهة لتمرير صفقات مشبوهة، حيث تم منح عقود ضخمة بشكل غير قانوني لشركات قريبة من مسؤولي حزب الشعب الجمهوري وحزب العمال الكردستاني.

  2. فضيحة "عدّ النقود داخل حزب الشعب الجمهوري"
    انتشرت صور ومقاطع فيديو مسربة لمسؤولين في الحزب أثناء عدّ مبالغ نقدية كبيرة داخل مقرات الحزب، مما أثار تساؤلات حول معاملات مالية غير قانونية مرتبطة ببلدية إسطنبول.

مستقبل إمام أوغلو والسيناريوهات المحتملة

في السنوات الأخيرة، خضع إمام أوغلو لتحقيقات عدة، بما في ذلك حكم بالسجن 31 شهرًا صدر ضده في عام 2022 بتهمة إهانة أعضاء اللجنة الانتخابية العليا، مما أدى إلى حظر ممارسته للأنشطة السياسية مؤقتًا.

ويرى الباحث السياسي علي أسمر أن القضية قد تستغرق وقتًا طويلًا لحسمها، وقد تؤدي إلى خلافات داخل حزب الشعب الجمهوري حول مرشحه الرئاسي المقبل، خاصة مع بروز شخصيات أخرى مثل منصور يافاش وأوزغور أوزيل.

كما أشار إلى أن توقيت الاعتقال يتزامن مع تقارب سياسي بين التيار القومي والتيار الكردي، مما يثير تكهنات حول احتمال أن يكون إمام أوغلو "ضحية" لهذا التقارب.

من جهته، توقع المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن تؤدي التحقيقات إلى تعيين "وصي" حكومي على بلدية إسطنبول، مما قد يشعل أزمة سياسية جديدة، تزيد من حالة الاستقطاب والتوتر الداخلي في تركيا.

خاتمة

تشكّل هذه التطورات منعطفًا حاسمًا في المشهد السياسي التركي، حيث يبدو أن الصراع بين الحكومة والمعارضة يدخل مرحلة غير مسبوقة. ومع استمرار التحقيقات، تبقى الأسئلة قائمة حول مدى تأثير هذه القضية على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وما إذا كان إمام أوغلو سيتمكن من العودة إلى الساحة السياسية أم أن مستقبله السياسي قد بات على المحك.

أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع