القائمة الرئيسية

الصفحات

بعد ان تخرجت من الجامعة ذهبت لابيها لتبشره وهي سعيدة بتفوقها على زملائها وطلبت منه ان يوفي بوعده

بعد ان تخرجت من الجامعة ذهبت لابيها لتبشره وهي سعيدة بتفوقها على زملائها وطلبت منه ان يوفي بوعده



بعد أن تخرجت من الجامعة كانت الفرحة تملأ قلبها فقد تفوقت على كل زملائها وأثبتت للجميع أنها تستحق النجاح.

 لم يكن هذا الإنجاز سهلا بل كان ثمرة سنوات من التعب السهر والكفاح وكم من مرة سهرت حتى الفجر وهي تراجع محاضراتها وتعد تقاريرها وتدرس للاختبارات بينما والدها في الغرفة المجاورة يدعو لها في صلاته ويضع البطانية على قدميها وهي نائمة على الكتب.


ومع هذا النجاح لم تكن فرحتها كاملة إلا بشيء واحد... وعد والدها.


كانت لا تنسى ذلك اليوم عندما قال لها وهي في سنتها الجامعية الأولى
لو تخرجت وتفوقت يا بنتي هجيبلك عربية تحلمي بيها سيارة أحلامك!


منذ ذلك الحين تعلقت أحلامها بهذا الوعد تخيلت شكل السيارة لونها رائحتها تفاصيلها. حتى أنها أخبرت صديقاتها بذلك الوعد أكثر من مرة وظلت تنتظر هذا اليوم بشغف.


وفي يوم التخرج ارتدت أجمل ما لديها وضعت لمسات خفيفة من الزينة وأمسكت بشهادتها بيد وباليد الأخرى كانت تحمل هدية لوالدها.
دخلت عليه وهي تبتسم
بابا! اتخرجت! مش بس كده



أنا من الأوائل على الدفعه!
فرح والدها جدا ووقف من مكانه وعانقها بحرارة كانت عيناه تلمعان بالفخر ثم جلس وقال لها
ألف مبروك يا بنتي فعلا رفعت راسي!


ثم مد يده وأخرج شيئا من الدرج وقدمه لها وهو يبتسم.
كان شيئا غريبا بالنسبة لها... ألبوم صور صغير ومعه دفتر عادي.
نظرت إليه بدهشة
إيه ده!


قال لها بلطف
افتحيه وشوفي فيه إيه ده هديتي ليكي.


انقلب وجهها بين دهشة وخيبة أمل نظرت إليه وقالت بصوت يملؤه العتاب
يعني بعد كل اللي عملته كل تعب السنين كنت بستناك توفي بوعدك وتجيبلي العربية اللي حلمت بيها وفي الآخر تهديني ألبوم ودفتر صور! صور مالهاش أي قيمة!


رمتهما على الطاولة وقالت بحرقة
شكرا يا بابا مش عايزة الهدية اديها لأي حد تاني يمكن يقدر الصور أكتر مني!
ثم خرجت من المنزل وهي تبكي بحرقة.
ظل والدها واقفا في مكانه صامتا ينظر إلى الألبوم والدفتر أمامه وعيناه تدمعان دون أن ينطق بكلمة واحدة.
لم تكن هذه أول مرة يسمع كلمات قاسية لكنه لم يتوقع أن تأتي من ابنته الوحيدة
التي أفنى عمره لأجلها وأنكر نفسه ليجعلها تصل إلى ما هي عليه.


تردد لوهلة ثم التقط هاتفه واتصل بشقيقته التي كان يعرف أن ابنته ستلجأ إليها بعد غضبها وفعلا وجدها عندها وأخبرها بكل شيء حصل.
قالت له شقيقته بحنان
ابعتلي الألبوم والدفتر وسيب الباقي علي.


في مساء ذلك اليوم جلست العمة مع ابنة أخيها ونظرت إليها بجدية
حبيبتي انتي فعلا زعلتي والدك النهارده.
ردت الفتاة بصوت مكسور
أنا ماعملتش حاجة هو اللي وعدني بحاجة وماوفاش! أنا كنت مستنية اللحظة دي بقالها أربع سنين وحكيت لكل أصحابي وفي الآخر يهديني صور!


ابتسمت العمة وقالت
طيب تعالي نشوف الصور دي سوا.


أحضرت الألبوم وفتحته أمامها وكانت الفتاة متضايقة غير مبالية لكنها لم تستطع تجاهل فضولها.


بدأت تتصفح الألبوم وكان أول ما رأته صورة لها وهي رضيعة بين يدي والدها يبتسم وكأنه يحتضن الدنيا كلها.


ثم صورة أخرى وهي تحبو على الأرض ووالدها يزحف أمامها يشجعها.
ثم صورة في أول يوم دراسة ووالدها يحمل حقيبتها ويعدل شعرها.
وصورة
أخرى وهي مريضة في المستشفى ووالدها بجوار سريرها وجهه شاحب لكنه يبتسم لها ابتسامة مطمئنة.
وصور أخرى لا تعد ولا تحصى كلها تحمل نفس المعنى... أنت حياتي.


حتى وصلت إلى الصفحة الأخيرة من الألبوم ووجدت مظروفا صغيرا فتحت المظروف ووقفت في صدمة...
لقد وجدت بداخله مفتاح سيارة... ليس مجرد مفتاح بل مفتاح السيارة التي كانت تحلم بها نفس الطراز نفس اللون نفس التفاصيل التي حدثت بها والدها مرارا.


لم تنطق تسمرت في مكانها والدموع تملأ عينيها وقلبها ينبض بالخجل والندم.
نظرت إلى عمتها وقالت
ده... ده مفتاح العربية!
أيوه... ده المفتاح اللي كان والدك محضره ليكي وكان ناوي يفاجئك بيه جوه الألبوم اللي بيحكي قصة حياتك معاه.
أجهشت الفتاة بالبكاء وانهارت في حضن عمتها وهي تقول
أنا ظلمته... ظلمته أوي!
في لحظة نهضت مسرعة وخرجت تركض نحو المنزل كأنها تطارد شيئا ضاع منها.
فتحت الباب بعنف ودخلت وهي تلهث من الجري والبكاء نظرت فوجدت والدها جالسا في مكانه ممسكا بالألبوم وعيناه مليئتان
بالدموع
ركضت نحوه وانحنت عند قدميه ثم احتضنته


بقوة وراحت تبكي وتقول
سامحني يا بابا أنا ماستهلش حبك بس دلوقتي فهمت محبتك ليا لا تقارن بأي نجاح ولا عربية ولا حتى الدنيا كلها!
لم يتكلم فقط وضع يده على رأسها وقال
ربنا يسامحك يا بنتي المهم إنك عرفتي وعرفت إن الحب الحقيقي مش في الهدايا لكن في الذكريات اللي عشناها سوا.


ومنذ ذلك اليوم تغيرت الفتاة كليا أصبحت تقدر كل لحظة مع والدها وتراه ليس فقط كأب بل كرمز للحب والعطاء والصبر
كانت تقضي معه أوقاتا أطول تصحبه في نزهات وتجلس معه على الشرفة تحكي له عن عملها وعن صديقاتها وتحضر له الهدايا في المناسبات الصغيرة وتطلب منه أن يعيد لها قصص طفولتها التي لطالما رواها لها


لكن الحياة لا تعطينا دائما الوقت الذي نتمنى
فبعد عامين فقط أصيب والدها بوعكة صحية مفاجئة ولم تمهله طويلا فقد وافته المنية في هدوء بعدما صلى الفجر ودعا الله أن يبارك في ابنته ويوفقها.


يوم جنازته كان الأقسى
في حياتها حملت صورته على صدرها وذهبت خلف النعش تبكي وتردد
سامحني يا بابا أنت أعظم هدية ربنا بعتها لي!


ومنذ وفاته لم تفارق صورته محفظتها ولم تفارق الألبوم حقيبتها. كانت تذهب به إلى العمل إلى الزيارات وفي كل مرة تحقق فيها إنجازا تفتحه وتبتسم وتقول
شايف يا بابا أنا نجحت علشانك وعلشان محبتك اللي كانت أكبر من أي حاجة.


ورغم مرور سنوات على وفاته كانت لا تزال تشعر بوجوده في كل زاوية من زوايا البيت في ضحكتها في خطواتها في قوتها... وفي قلبها.
الحياة أحيانا لا تمنحنا الفرصة لنفهم قيمة من نحب إلا بعد فوات الأوان... ولكن الجميل في هذه القصة أن الفتاة لحقت بالوقت وأن الله أراد أن ترى الحقيقة وتستدرك خطأها قبل أن تغلق الصفحة إلى الأبد.


لقد أدركت أن والدها لم يكن يماطل أو ينسى بل كان يريد أن يخلد لحظة النجاح بطريقة لا تنسى أن يربط سيارة الأحلام بتاريخ عمرها معه أن يعلمها
أن الهدايا ليست فقط بما فيها بل بالقلب الذي يمنحها.


الألبوم لم يكن مجرد صور كان كتاب حياة رواية حب صامتة سطرها والدها على مدار سنوات منذ ولادتها وحتى تخرجها بكل لحظة بكل دمعة بكل دعاء في جوف الليل بكل مرة قال فيها للناس دي بنتي... فخري في الدنيا.


أما السيارة فكانت مجرد تفصيلة بسيطة لكنه خبأ مفتاحها وسط الصور كأنه يقول لها
دي مش مجرد هدية... دي رحلة كاملة من الحب والتعب والفخر بيك.


تمر الأيام وتبقى الذكريات. ورغم رحيل الأب إلا أن أثره لم يرحل فالبنت كانت كلما وصلت إلى إنجاز جديد تفتح الألبوم وتبتسم وكأنها تسمعه يقول لها من بعيد

أنا فخور بيك يا بنتي.


كانت تضع الألبوم في حقيبتها في كل مكان ليس لأنه يحمل صور طفولتها فقط بل لأنه أصبح مرآة روحها... فيه صورتها وهي تحبو وصورة والدها وهو يبكي فرحا وصورة آخر ضحكة جمعت بينهما... وفيه المفتاح مفتاح السيارة لكنه تحول
لمفتاح قلبها الذي لا يغلق أبدا في وجه ذكراه.


مرت سنوات تزوجت وأنجبت وذات يوم جلست تحكي لابنتها الصغيرة عن جدها وكيف أن أعظم هدية تلقتها في حياتها لم تكن السيارة بل الألبوم لأنه علمها درسا لن تنساه
أحيانا بنشوف الهدية وما بنشوف القلوب اللي بتقدمها... بس لما نشوف القلب بنفهم إن في حاجات أثمن من المال وأغلى من الذهب وأقوى من أي وعد... وهي المحبة الصادقة.


وهكذا بقي الأب حاضرا في كل لحظة ليس بصورته فقط بل بأفعاله بحبه وبالأثر العظيم الذي تركه في حياة ابنته وقلوب من سمعوا قصته.
وربما... هذه القصة التي تقرؤها الآن تكون أنت نفسك بحاجة إليها لتمد يدك إلى أحدهم لتطلب السماح من قلب نقي ربما جرحته يوما دون أن تنتبه... أو لتقدر أبا أو أما لا يملكون إلا الحب والدعاء لك.
فلا تنتظر أن يفوت الأوان.
لا تجعل الألبوم في حياتك مجرد صور...
اجعله صفحات من عرفان من شكر من حب حي
قبل أن يتحول لصمت لا يرد عليه.


تعليقات

التنقل السريع