قصة وفاء ونية طيبة.. عندما يكافئك الله بأكثر مما تتمنى
في شمال المملكة تحديدا في منطقة تتميز بطبيعتها الساحرة وجوها المعتدل تقع جامعة من الجامعات التي يقصدها الطلاب من مختلف أنحاء البلاد. هناك اختار بعض الطلاب أن يسكنوا في قرية قريبة من الجامعة حيث الحياة بسيطة والناس طيبون.
كانوا يدرسون بجد ويعودون كل نهاية أسبوع إلى أهلهم في المدينة. من بين هؤلاء الطلاب شاب في أوائل العشرينات خلوق وطيب القلب يبحث دائما عن عمل الخير ويفكر في الأجر العظيم الذي وعد به الله سبحانه وتعالى كل من يسعى للخير بصدق.
في أحد الأيام خرج الشاب ليتجول في القرية بعد انتهاء محاضراته وكان الجو هادئا والطيور تغرد فوق الأشجار. وبينما هو يسير في أحد الطرق الترابية شاهد امرأة مسنة ترتدي عباءة قديمة تقود مجموعة من الأغنام في اتجاه المراعي.
لفتت انتباهه فقد كانت تسير ببطء لكن بعزم وبدا على وجهها التعب. رق قلبه لحالها فاقترب من أحد سكان القرية وسأله عنها. فأجابه الرجل
هذه العجوز لا يوجد لها أحد في هذه الدنيا. كل صباح تخرج بغنمها لترعاها وتعود قبل المغرب إلى بيتها المتواضع. لا أبناء لا زوج ولا حتى أقارب يزورونها.
سكت الشاب وهو يشعر بالحزن في قلبه لكن الصورة لم تفارق خياله.
أمنية بسيطة قلب كبير
في اليوم التالي خرج مبكرا وتوجه إلى المكان ذاته ليراقب تلك العجوز من بعيد. وعندما وجدها بمفردها اقترب منها بلطف وقال
السلام عليكم يا أماه.
فردت عليه بصوت ضعيف
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ولدي.
جلس بالقرب منها وبدأ يتحدث معها عرف منها أنها لا تملك إلا هذه الأغنام البسيطة التي ترعاها لتعيش منها.
سألها
أماه لو كان لك أمنية واحدة فقط ماذا تتمنين
نظرت إليه والدمعة تلمع في عينها وقالت
أتمنى أن أزور الحرم المكي والحرم النبوي أن أؤدي العمرة والحج وأن أدعو الله هناك فقط هذا ما أتمناه قبل أن ألقى ربي.
تأثر الشاب كثيرا. لم تكن تطلب مالا ولا طعاما فقط أداء العمرة والحج. لكن المشكلة أنها لا تملك محرما ولا تستطيع السفر بمفردها.
فكر كثيرا بعد لقائه بها. عاد إلى سكنه جلس يفكر كيف يمكنه مساعدتها كيف يحقق لها هذه الأمنية البسيطة والعظيمة في آن واحد
وبينما هو في خلوته خطرت له فكرة جريئة لكنه شعر أنها تحمل نية صافية لماذا لا يتزوج هذه العجوز زواجا شرفيا بنية خالصة ويأخذها معه لأداء العمرة والحج ثم إذا عاد طلقها دون ضرر ولا سوء
استشار أحد المشايخ المعروفين بالتقوى.
قال له الشيخ بعد أن استمع للقصة كاملة
يا بني نيتك صافية وفعلك هذا فيه أجر عظيم لكن أخبرها قبل أن تعقد القران فإن وافقت فافعل.
ذهب الشاب إلى العجوز وجلس معها باحترام وقال
أماه لدي فكرة قد تكون غريبة لكنني أريد أن أحقق لك ما تتمنين. أتزوجك زواجا شريفا وأصطحبك معي لأداء الحج والعمرة ثم أطلقك بعد عودتنا إن شئت.
نظرت إليه بدهشة لكنها بعد لحظات من التفكير قالت
يا بني إن نيتك طيبة وأنا راضية افعل ما ترى فيه الخير.
تم عقد القران بشكل رسمي. وبعد أيام كانت الأوراق جاهزة واستعدا للسفر إلى مكة المكرمة.
وبينما كانت العجوز تطوف بالكعبة وتبكي عند الملتزم كان الشاب يشعر بفرحة لا توصف. هو لم ينفق الملايين فقط ساعد بصدق وكانت نية صادقة لوجه الله ولم يكن يعرف أن القدر يخبئ له مفاجأة.
أدت العجوز مناسك العمرة والحج وسجدت لله سجدة طويلة عند جبل عرفات وهي تلهج بالدعاء له دون أن يشعر هو بذلك.
المفاجأة بعد العودة
بعد الانتهاء من الحج عادا إلى قريتهما. قال لها
لقد أديت الفريضة وأنا الآن أبلغك بأنني أريد أن أطلقك كما اتفقنا.
قالت له بهدوء
دعني على ذمتك واذهب حيثما شئت لا أطلب شيئا منك.
وافق وذهب. وبعد انتهاء دراسته في الجامعة عاد إلى مدينته ومرت السنوات.
ذات مساء وبينما هو يجلس مع أصدقائه في مجلس شبابي بدأوا يمازحونه
يا رجل ماذا فعلت بالعجوز هل ما زلت زوجها
ضحك وقال
لا أعلم عنها شيئا لم أزرها منذ أن سافرت.
لكن في قلبه شيء دفعه أن يزورها. سافر إلى القرية القديمة وسأل عنها ليجيبوه
يا بني أما علمت العجوز توفيت من شهور رحمها الله.
حزن عليها بشدة وسأل عن بيتها فدلوه عليه. دخل منزلها البسيط لا شيء فيه إلا بعض الأغراض القديمة. وبينما يبحث في أشياءها وجد بقشة صغيرة فيها بعض الملابس وورقة مطوية بإحكام.
فتح الورقة ليجد المفاجأة الكبرى.
كانت الورقة عبارة عن صك أرض رسمي موثق باسمها مذكور فيه أنها ورثت هذه الأرض من ابن عمها المتوفى. تقع هذه الأرض في أحد أغلى مناطق جدة تحديدا على
شاطئ البحر في موقع استراتيجي مميز جدا.
كانت الأرض شاسعة والعقارات حولها باهظة الثمن وموقعها جعل قيمتها السوقية تقارب ثلاثة ملايين ريال سعودي.
باع الشاب الأرض وعاد إلى أصدقائه ليس فخورا بالمال بل بما فعله من عمل خير مع تلك العجوز.
العبرة من القصة النية الصادقة لا تضيع.. ومكافأة السماء لا تتوقع
في خضم هذه القصة التي تبدو بسيطة من ظاهرها تتجلى عبرة عميقة لا يدركها إلا أصحاب القلوب اليقظة أن النية الخالصة لوجه الله كفيلة بأن تقلب الموازين وتفتح للعبد أبواب رزق لا تخطر له على بال.
هذا الشاب لم يكن ثريا ولا صاحب منصب ولم يكن يسعى إلى شهرة أو مكسب مادي لكنه سمع
أمنية امرأة مسنة لا تملك شيئا سوى قلبها فقرر أن يستخدم ما بيده من إمكانيات ليحقق لها حلمها. لم يقل ما شأني ولم يتهرب من المسؤولية بل
حمل أمنيتها في قلبه وسعى لتحقيقها بنية صادقة خالصة فكانت النتيجة فوق التوقعات.
عمل الخير في زمننا هذا قد يبدو غريبا خاصة إذا لم يكن من ورائه مقابل مادي لكن هذا الشاب علمنا درسا لا ينسى أن تفعل الخير دون انتظار المقابل لأن المقابل الحقيقي يأتي من رب العالمين وهو أعلم بمن يستحق ويجزي بالإحسان إحسانا مضاعفا.
تخيل فقط أن زواجا شريفا بنية المساعدة فتح له بابا لم يكن يحلم به ورقة صغيرة تحمل صك أرض في موقع استراتيجي على شاطئ البحر في جدة! هذا ليس مجرد مكافأة بل هو رسالة من الله تقول أحسنت.. فخذ أكثر مما تستحق في عرف البشر لكن بما تستحق في ميزان السماء.
لماذا كانت هذه العجوز سببا في تغيير حياة هذا الشاب
لأنها كانت صاحبة دعاء صادق ونية طيبة لا تؤذي أحدا وكان
ما تريده ليس مالا ولا دنيا بل الوقوف في بيت الله الحرام والدعاء بين الركن والمقام. وسعى هذا الشاب ليحقق لها هذا الحلم العظيم فأكرمه الله بأعظم استثمار في الدنيا والآخرة
في الدنيا صك أرض على البحر يساوي ملايين الريالات في موقع لا يحلم به أحد بسهولة.
وفي الآخرة أجر من عند الله لا يقارن لأن من أدخل السرور على قلب مسلم فله في كل لحظة فرح له أجر فما بالك بمن حقق أمنية العمرة والحج!
دروس حياتية من القصة
افعل الخير دون أن تنتظر الجزاء من الناس فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
النية الصادقة أعظم من الفعل أحيانا وقد تكون مفتاحا لبركة العمر.
كفالة الأرامل والمحتاجين لا تقتصر على المال بل تتجلى في المبادرات الإنسانية النبيلة.
العقارات والاستثمارات الكبرى قد تأتيك
من طريق لم تحسب له حسابا... فقط كن أهلا للثقة الربانية.
قصص مؤثرة واقعية كهذه تعلمنا أن مكافأة السماء ليست دائما مالا لكنها قد تكون راحة بال ورضى رب ومكانة في القلوب.
الوفاء بالعهد لا يقدر بثمن وقد يصبح طريقك إلى النجاح حتى إن غاب عنك الجميع.
رسالة القصة لكل من يقرأها
قد تمشي في طريق الخير ولا تلقى تصفيقا ولا شكرا من أحد لكن ثق تماما أن خطواتك تلك تسجل في ميزان لا ينسى.
وأن مفاجأة القدر الجميلة قد تأتيك من حيث لا تدري تماما كما حدث مع هذا الطالب الذي ظن أن قصته مع العجوز انتهت فإذا بها بداية جديدة لرحلة من الخير والرزق والبركة.
إن أفضل ما نغرسه في هذه الحياة هو
نية طيبة ويد تمتد بالخير وقلب لا يحمل إلا حبا للناس.
فمن يزرع المعروف يحصد البركة
ومن يعطي
دون مقابل يعطى فوق ما يتوقع.
تعليقات
إرسال تعليق