القائمة الرئيسية

الصفحات

قام مليونير بتركيب كاميرا مخفية… فالتقطت خادمته وهي تفعل شيئًا غيّر حياته بالكامل.

قام مليونير بتركيب كاميرا مخفية… فالتقطت خادمته وهي تفعل شيئًا غيّر حياته بالكامل.




كان قصر عائلة "كلير" يقف شامخًا ببروده الفاخر، جدرانه تلمع بالنظافة، وغرفه صامتة كأنها معلقة خارج الزمن. وسط هذا الصمت كان يعيش "جوناثان كلير"، المليونير صاحب البدلة الأنيقة، والفك المشدود، وجدول الأعمال الذي لا يعرف الرحمة.
رجل يرى الحياة أرقامًا، والثواني وحدات إنتاج، والمشاعر… مجرد إلهاء لا فائدة منه.



منذ وفاة زوجته قبل عامين، انغمس في عمله بكل قسوته، حتى نسي نفسه ونسي من حوله. وحده ابنه "أوليفر" ذو الثمانية أعوام، بثوبه الأبيض وجسده الصغير الممدد داخل سرير طبي، كان يشهد على حياة باهتة ما زالت تحاول أن تتشبث بالعالم.

كان الطفل يعاني من حالة عصبية نادرة… حرمته من المشي واللعب، وحرمته قبل ذلك من الشعور بالأمان. وجوناثان، رغم كل ثروته، لم يكن يرى من الأبوة إلا توفير الأطباء والممرضين والأجهزة.
بالنسبة له كان الحب يعني الإنفاق، وكان يظن أنه بهذا يفي بالغرض.



ثم جاءت "غرايس"…
امرأة هادئة، بشرتها سمراء تشع دفئًا، ترتدي زيًا رماديًا بسيطًا، وتتسلل بين الممرات الرخامية بخفة ظل.
تم توظيفها كخادمة… لتنظيف البيت فقط. لا أكثر.



لكن شيئًا ما بدأ يتغير.

فجأة… بدأ "أوليفر" يبتسم.
صار يأكل أكثر، يهمهم أحيانًا، يفتح عينيه ويتابع الأصوات من حوله.
أزعج ذلك جوناثان، لكن انشغاله لم يسمح له بالتفكير طويلًا.

إلى أن جاء يوم قرر فيه مراجعة تسجيلات الكاميرات.
نظرة واحدة إلى الشاشة… كانت كافية لجعل صدره يضيق وكأنه ينهار.

كانت غرايس تجلس قرب سرير "أوليفر"، تمسك بيده، تملس شعره برقة أم، وتقرأ له القصص بصوت خافت.
كانت تجلب له دمية دب، تغطيه حين يبرد، وتضع قطعة قماش مبتلة على جبينه حين ترتفع حرارته.
وفي أحد المقاطع ظهرت وهي تنام على كرسي بجانبه طوال الليل بعد أن ساءت حالته.



لم يطلب منها أحد ذلك.
لم تكن مضطرة.
ولم تكن تتقاضى شيئًا إضافيًا مقابل هذا.

ظل جوناثان مسمّرًا يحدق في الشاشة.
جزء منه كان مندهشًا…
والجزء الآخر لم يستوعب.

لماذا تهتم لهذه الدرجة؟
وماذا تريد بالمقابل؟




ولأنه رجل اعتاد الشك… اتخذ قرارًا قاسيًا.
قام بتركيب كاميرا مخفية داخل غرفة "أوليفر".
أخبر نفسه بأنها لأجل "سلامة الطفل"، لكن داخله كان يعرف أنّه يبحث عن الحقيقة.

في الليلة الأولى، أغلق مكتبه وبثّ الكاميرا مباشرة أمامه.
كانت غرايس قد وصلت لتوها إلى الغرفة.

جلسَت بجانب "أوليفر"، أمسكت يده، وهمست له:
"أحضرتُ لك ما تحبه."
ثم أخرجت مناديل مطوية بداخلها قطعتين من بسكويت الزبدة.
"لا تخبر الممرضة."
ابتسم الطفل بخجل.
"شكرًا."




ثم قال بصوت مرتجف:
"أشتاق لأمي."

تجمدت غرايس لحظة، ثم مسحت على رأسه وقالت:
"وأنا أيضًا يا صغيري… أشتاق لأمي."
ثم مالت وقبلت جبينه بلمسة أمٍّ فقدت طفلًا من قبل.

في تلك اللحظة… انهار شيء داخل جوناثان.
ظل يشاهد الساعات تمر، الليلة بعد الأخرى.
كانت غرايس تقرأ له، تغني، تمسح دموعه، وتجادل الممرضات الجافات، وتطلب من الأطباء تحسين علاجه.
كانت أمًا لا تحمل لقبًا.




وجاء اليوم الذي قلب كل شيء.

ليلة ممطرة، والرياح تعصف بالنوافذ.
كان "أوليفر" يمر بنوبة تشنج حادة.
تأخر الطاقم الطبي.
لكن غرايس… ركضت نحو الطفل قبل الجميع، حملت رأسه بين يديها، وضغطت على صدره، وهمست له:
"ابقَ معي يا حبيبي… أنا هنا… لن أدعك تذهب."

وعندما انتهت النوبة… انهارت باكية إلى جانبه، ممسكة بيده كطفلة خائفة.

في تلك الليلة، وقف جوناثان عند باب الغرفة، يراقب المشهد بصمت.
غرايس كانت تصلي، والطفل نائم بسلام.
أما هو، المليونير الذي ظن أن المال يكفي… فوجد نفسه عاجزًا.




دخل الغرفة أخيرًا.
رفعت غرايس رأسها فزعة.
وقفت بسرعة وقالت بصوت منخفض:
"سيدي… لم أعلم أنك هنا."

جلس قرب ابنه، نظر إليه طويلًا، ثم قال:
"شاهدتُ كل التسجيلات."

تجمدت.
تلعثم صوتها:
"ركّبت كاميرا؟"




قال بصوت مكسور:
"كنت أظن… أن أحدًا يستغلّه… أو يستغلني.
أنا… خجلان لأنني شككت بك."

لم ترد.
عينها امتلأت بدموع ثقيلة.
ثم قالت ببطء:
"لم أفعل شيئًا لأجلك يا سيدي."

هز رأسه.
"أعلم."




تنفست بعمق وقالت:
"كنتُ أملك طفلاً… قبل خمس سنوات.
كان في السادسة… مصابًا باللوكيميا.
لم يكن لدينا مال للعلاج.
كنت أعمل من الصباح حتى الليل… ومع ذلك فقدته.
مات بين يدي… ولم أستطع إنقاذه."

سالت دمعة على خدها وهي تتابع:
"وحين رأيت أوليفر… رأيت ابني من جديد.
لم يكن بإمكاني تركه وحده."





خفض جوناثان رأسه.
هو الذي يملك الملايين…
لم يمسك يد ابنه منذ شهور.
بينما امرأة بسيطة كانت تمنحه الحياة.

بصوت متهدّج قال:
"أنا… آسف."

جلس على الكرسي المقابل، أمسك يد "أوليفر"، ثم وضعها بين يدي غرايس، وقال:
"ظننت أن المال كافٍ… لكنه لم يكن كذلك."

أجابته بابتسامة حزينة:
"المال يُبقيهم على قيد الحياة…
لكن الحب هو ما يجعلهم يريدون ذلك."

تلك الكلمات كسرت شيئًا عميقًا في داخله.

قبل أن تغادر، قال لها فجأة:
"أريد أن أطلب منك شيئًا."

توترت.
"إذا كنت ستطردني—"
قاطعها:
"لا… اسمعيني.
أنتِ لستِ خادمة بعد الآن.
لا بالنسبة لي… ولا بالنسبة لأوليفر.
أريدك أن تكوني جزءًا من العائلة."





ارتجفت شفتاها.
"وليس بدافع الشفقة… بل لأننا نحتاجك.
ولأنه يحبك."

قالت بنبرة هامسة:
"لا أعرف ماذا أقول…"
ابتسم لها.
"قولي نعم."
وأومأت:
"نعم."




مرت الأشهر… وتغير كل شيء.
لم يعد القصر باردًا.
الضحكات عادت.
أوليفر بدأ يتكلم أكثر.
صار يجلس بين جوناثان وغرايس على الشرفة، يقرأ معهم القصص، يتابع الغروب.
وجوناثان… لم يعد مجرد رجل أعمال.
صار أبًا.
بفضل امرأة لم ينتبه لها يومًا إلا وهي تمسك مكنسة.





امرأة أعادت لابنه الحياة…
ولقلبه المعنى.

أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع