لمن كان له قلب النعش كان ثابت مش راضي يدخل المسجد.
القصة الأولى: نعش لا يدخل المسجد
ظل النعش ثابتًا عند باب المسجد، لا يتحرك. حاول الجميع إدخاله لكن دون جدوى. بدأ الناس يظنون أن السيدة المتوفاة لم تكن صالحة، وأن أعمالها سيئة.كانت تلك المرأة جارتهم، تعيش وحدها بعد أن سافر ابنها للعمل في الخارج. أُصيبت بمرض خبيث لكنها لم تخبر ابنها، حتى لا تقلقه أو تعرقل مستقبله، فهو يتيم منذ صغره ولا سند له في الحياة.
في يوم من الأيام، استيقظ أهل الحي على خبر وفاتها. حاولوا التواصل مع ابنها، لكن هاتفه كان مغلقًا. فاضطروا إلى تغسيلها وتكفينها وقرروا دفنها.
حين وصلوا إلى المسجد للصلاة عليها، حدث ما لم يتوقعه أحد: النعش لم يتحرك للدخول. حاول الرجال مرارًا وتكرارًا، وراحوا يرددون "لا إله إلا الله"، ولكن بلا فائدة. ظلوا لساعات يحاولون، بعضهم عاد إلى منزله، والبعض الآخر بقي ينتظر مع أمل أن يجدوا حلًا.
سألوا جيرانها: "هل كانت سيئة؟ هل لسانها سليط؟ هل كانت لا تصلي؟" فكان الجواب: "بل كانت تقوم الليل وتصوم، ولم نرَ منها إلا الخير."
فجأة، وبعد نحو أربع ساعات، تحرك النعش من تلقاء نفسه نحو اليمين. التفتوا إلى مصدر الحركة، فإذا بابنها يأتي راكضًا، منهارًا بالبكاء، يحتضن النعش ويقول: "تليفوني كان تالفًا، لم أكن أعلم، كنت فقط أحاول أن أفتح الهاتف لأطمئن عليكِ!" ثم بدأ يقبّل النعش ويجهش بالبكاء. مشهد أبكى الجميع.
قال لها: "يا أمي، سامحيني، ما كنت أعرف إنك رحلتي!" وحين أنهى كلامه، دخل النعش المسجد بمنتهى السهولة، كأن روحها كانت تنتظره لتودّعه، لأنه كان كل حياتها.
سلامٌ على من رحلوا، لكن ظل لهم في قلوبنا حنين لا يموت.
القصة الثانية: ليست أمي، لكنها كانت كل شيء
يقول راوي القصة:توفيت أمي وأنا بعمر ست سنوات. لم أكن أدرك وقتها معنى الفقد، لكنني عشت حياتي حزينًا على غيابها. بعد وفاتها بشهرين، تزوج أبي. كرهت زوجته قبل أن تدخل البيت، وزاد كرهي لها بعد أن أصبحت فيه، رغم أنها لم تعاملني يومًا بسوء. كانت تهتم بي، ترعاني، تعاملني كأنني ابنها.
مع الأيام، علمت أنها لم تنجب، ووالدي تزوجها فقط لأجلي، لأنه لم يُرد أن يكون له أولاد غيري ينافسونني في حبه. لكنني بقيت أرفضها داخليًا، لم أنادها يومًا بـ"أمي"، وكنت دائم السخرية منها رغم أنها كانت تطبخ لي، تهتم بي، تسألني عن يومي، وتبتسم دائمًا رغم جفائي.
مرت عشرون سنة، توفي أبي فجأة، وأصبح البيت لنا فقط. شعرت أن وجودي معها خطأ. قررت أن أترك البيت، وأبلغتها بذلك. لم تعترض، فقط نظرت إليّ نظرة حزينة لم أنسها.
استأجرت شقة قريبة، وكنت أذهب لمنزل أبي لأخذ أغراضي، متجاهلًا وجودها. وفي أحد الأيام، لم أجدها بالبيت. بعد قليل، فتحت الباب وهي متعبة، وبإلحاح مني عرفت أنها بدأت رحلة علاج منذ فترة، ولم تخبرني لأنها لا تريد أن تزعجني، فهي "ليست أمي".
لكنني أصررت على مساعدتها، ورافقتها في العلاج. تدهورت حالتها، حتى جاء اليوم الذي اتصلوا بي فيه من المستشفى. للمرة الأولى، شعرت بالخوف من فقدانها. دخلت غرفتها بالمشفى، ونظرت إليها وقلت: "أنا لا أعرف أمًا غيرك، ولا أريدك أن ترحلي."
ابتسمت، وقالت: "كنت مستنية أسمع دي الكلمة." قضينا الليلة سهرانين، نضحك ونتحدث، لأول مرة.
تحسنت حالتها، وخرجت من المستشفى، وعدنا نعيش سويًا. قربتني منها الأيام، وتغيرت نظرتي لها. كنت وقتها أستعد للزواج، وكانت هي تجهز لي كل شيء بين جلسات العلاج.
وبعد فترة، جاء نفس الاتصال. دخلت عليها في المستشفى، فطلبت مني أن أُحلّها من وعدها بأنها ستبقى بجانبي. بكت، وقالت إنها متعبة وتحتاج للراحة، لكنها لن ترحل قبل أن تسمع موافقتي.
بكيت لأول مرة، وأخبرتها أنها حرة. توفيت بعدها بيومين. تزوجت بعد وفاتها بشهرين، وسميت ابنتي باسمها.
كنت أظن أنني محروم من الأم، لكن الحقيقة أنني كنت أعمى فقط، وأجبرت نفسي أن لا أراها.
القصة الثالثة: لا تحكم على الناس بظاهرهم
طلب شاب من والدته أن تبحث له عن عروس. ذهبت الأم إلى بيت أختها، زوجها غني، استقبلوها بأفضل شكل. لكن حين طلبت ابنتها لابنها، اعتذرت الأخت وقالت: "ابنك لا يناسب ابنتي."شعرت الأم بالإهانة لكنها لم تردّ. ذهبت في اليوم التالي إلى بيت أخيها الطبيب الشهير. انتظرته طويلًا، فلما حضر طلبت يد ابنته. تدخلت زوجته وقالت: "ابنك فاشل، لم يُكمل تعليمه، وابنتي متعلمة ومثقفة، حاصلة على الدكتوراه."
اعتذر الأخ، وقال إن زوجته أجابت نيابةً عنه. غادرت الأم البيت مكسورة الخاطر، وظلت تتنقل بين بيوت الأقارب، دون فائدة.
اتصل بها ابنها ليسأل عن العروس. حاولت أن تُخفي حزنها، لكن صوته شعر بذلك، وألحّ عليها حتى أخبرته بما حدث. فقال لها: "ابحثي كما ترين، أنا راضٍ باختيارك."
في اليوم التالي، رأت فتاة تبكي في الشارع، فسألتها عن السبب، فقالت إن حقيبتها سُرقت وكان بها المال لشراء دواء والدتها. أخذتها الأم واشترت لها الدواء، ثم سألتها إن كانت مرتبطة. قالت: "لا." فأخبرتها أنها ستزورها غدًا.
اتصلت بابنها، وقالت إنها وجدت فتاة يتيمة، جميلة ومناسبة. وافق الشاب وقال لها أن تذهب لخطبتها، مع الحرص على إخباره بالمهر أولًا، وطلب منها أن تدعو الأقارب.
ذهبت الأم وخطبت الفتاة. سخر الأقارب من حال الفتاة البسيطة، وقالوا إنها تناسب حالته. اتصلت الأم بابنها، وطلبت منه فتح مكبر الصوت.
قال الشاب عبر الهاتف: "المهر الذي طلبتموه لا يناسبني..." فانفجر الجميع بالضحك. ثم تابع: "سأدفع ثلاثة أضعاف المهر، وسأتكفل بكل مصاريف الزفاف. نحن سنعيش في سويسرا، فأنا شريك في شركتين استثماريتين هناك."
صُدم الجميع. وتمنّى من رفضوه لو أنهم وافقوا عليه. أما الأم، فلم ترد على أحد، وأكملت تحضيرات الزفاف.
بعد أيام، حضر الشاب، واصطحب والدته وزوجته إلى سويسرا.
الدرس: لا تنظروا إلى الناس من ظاهرهم، فربّ من استصغره الناس، هو عند الله عظيم.
تعليقات
إرسال تعليق