القائمة الرئيسية

الصفحات

امرأةٌ تلجأ لأخيها من آدم.. وقصة كرمٍ تهزّ القلوب

امرأةٌ تلجأ لأخيها من آدم.. وقصة كرمٍ تهزّ القلوب






ضاقت الحال على امرأة بسبب شدة الفقر وضيق ذات اليد، حتى أصبح زواجها مهددًا بالانهيار. فما كان منها إلا أن توجهت إلى أحد أهل اليسر، رجلٌ معروف بالكرم والسخاء، وطرقت بابه تطلب العون.



فتح الباب أحد الخدم، فنظر إليها وسألها:
ــ من أنتِ؟ وماذا تريدين؟
فقالت بهدوء: أود مقابلة سيدك.
استغرب الخادم من جوابها، وسألها من تكون، فأجابته بثقة: أخبِره أنني أخته.



تعجّب الخادم، لأنه يعلم يقينًا أن سيده لا يملك أختًا، لكنه مضى لينقل الرسالة.
دخل على سيده وقال: هناك امرأة عند الباب تدّعي أنها أختك.
فقال له الرجل: أدخلها.



دخلت المرأة، فقابلها الرجل بوجه طلق وبسمة رحبة، وسألها مداعبًا: من أي إخوتي أنتِ، يرحمك الله؟
فأجابته بثبات: أنا أختك من آدم.



هزّ كلامها وجدانه، وقال في نفسه: امرأة في حالٍ صعب، مقطوعة لا سند لها، والله لأكونن أول من يصل رحمها.



ثم قالت المرأة بكلمات مؤثرة:
يا أخي، لعل الفقر لم يمرّ بك، لكنه مرّ بنا، وطعمه مُرّ لا يُحتمل. والله، من شدة ضيقه وقفتُ مع زوجي على باب الطلاق، فهل عندكم شيء ليوم التلاق؟ فإن ما عندكم يزول، وما عند الله باق.



طلب منها الرجل أن تعيد كلماتها، فأعادت.
ثم قال: أعيديها.
فأعادت للمرة الثالثة.
ثم قال: أعيديها مرة رابعة.



فقالت له بنبرة كرامة:
لا أظنك فهمتني، ولا أعتاد أن أكرر كلامي لأحد، فالإعادة فيها مذلة، وأنا لا أذل نفسي إلا لله.



تأثّر الرجل بكلامها وبلاغتها، وقال لها:
والله، ما أعجبني فيك إلا حديثك الجميل، ولو أعدتِ كلماتك ألف مرة، لأعطيتك عن كل مرة ألف درهم.



ثم التفت إلى خدمه وقال:
أعطوها من الجمال عشرة، ومن النوق عشرة، ومن الغنم ما تشاء، ومن المال ما يفيض عنها، فلنصنع شيئًا ليوم التلاق، فما عندنا يزول، وما عند الله باق.



رسالة من القلب: لا تنسوا الفقراء



الله غنيّ عنّا، ونحن الفقراء إليه. هو المعطي والرازق، ونحن الممدودون إليه بالأكف، نرجو عفوه وكرمه. الفقير ليس عبئًا، بل هو نعمة في حياتنا، يُذكّرنا بأهمية العطاء، ويمنحنا فرصة لنجني الأجر من باب الرحمة.



قال ﷺ:
"هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟" — رواه البخاري.



حين تمد يدك بالعطاء، لا تفعلها تفضُّلًا، بل افعلها خالصًا لوجه الله، فأنت مجرد وسيط في رزقٍ قدّره الله لهذا الفقير على يديك.



واذكر قوله تعالى:
"وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه، وهو خير الرازقين" [سبأ: 39].



الفقر لا يُعيب أحدًا، لكن الغفلة عنه تُعيبنا نحن. قد يكون الفقير عند الله أعلى مقامًا، وأقرب منزلةً. وقد نُسأل يومًا عنه: لماذا لم ننتبه، ولم نُعطه مما أعطانا الله؟



المال يفنى، لكن الصدقة تبقى. بل هي ترفع البلاء، وتُطفئ غضب الرب، وتكفّر الذنوب، كما في الحديث:
"الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار."



فلا تجعل بينك وبين الجنة بابًا مغلقًا بسبب البخل، ولا تحرم نفسك من الخير لأنك حسبت أن العطاء يُنقص. بل هو يزيد.



أعطِ من قلبك، من مالك، من وقتك، من دعائك.
وإن لم تقدر، فابتسم، وتلطّف، وتكلم بلين، فإن الكلمة الطيبة صدقة.



واعلم أن الله لا يحتاج صدقتك، لكنه يُطهّرك بها، ويرفعك بها، ويُريك من رحمته ما لا تراه في المال وحده.



"وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسّره للعسرى"



فاختر لنفسك طريق اليسر، وكن من الذاكرين، المُحسنين، الذين يبتغون الخير للفقراء كما يبتغونه لأنفسهم.

تعليقات

التنقل السريع